السبت، أبريل 9




قال تعالى: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )
كما قال سبحانه: (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )

وقال إبراهيم التيميّ - رحمه الله - :
ينبغي لمن لم يحزن أن يخاف أن يكون من أهل النار, لأنَ أهل الجنّة قالوا: "الحمد لله الذي أذهبَ عنّا الحَزَن".

الحُزن يعلمنا الكثير ..
ويعطينا الكثير ..
الحزن يمنحنا هباتٍ جمّة مخبأة تحت وطئةِ الدمع ..
وعلى ثنياتِ أكمامهِ تقبع الأشياء التي نحبّها, يُسقطها على أيدينا من تحته فتشدنا اللهفة لها ..
من قال بأنهُ سيءٌ إلى ذاك الحد ؟
ومن زعِم بأنهُ غليظ التعامل مع قلوبنا الهشّة الرقيقة؟
رحيمٌ هو جدًا, وكأنه أبٌّ عطوف يمد راحته على شعيراتِ رأس إبنهِ الصغير ليطمئنه ..
أو صديقٌ حميمٌ يعرف ما يحبّ صديقهُ وما لا يُحب, أو كمنشارٍ حادٍ يشذب جذوع النباتِ ليُثمر ..
إنه الدواء المر الذي نتجرّعه بكراهية ونحن نعلمُ يقينًا مدى إحتياجنا له ..
الحزن يقوّينا, يثني رقابنا برفعنا رؤوسنا للأعلى, ويشد ظهورنا ويطيلُ خطانا .. يفعل لنا ما لا يفعله الفرح أحيانًا!
يشبهُ الصوتَ المُنادي لنا مِن بعيد, إنّه تنبيهُ الرب!
أتصدقوني ما إذا قلتُ لكم أنني أتقبّل مقدمِه!
وكأنه نداءٌ خفيٌ من الرحمن يعيدُ تصحيحَ مساري الملتوي في دهاليزِ هذهِ الدار الدنيا فأتقرّب إليه, إصابتنا جميعنا بهِ لا تعني خُذلان القدرِ لنا وعناده ..
فهو يزور الغني ويجاور الفقير ويقترب من الكبير ويمر على الصغير, لابد لأحدنا يومًا أن يحتك بهذا الشعور, ربما يصيبُ قلوبنا بشرخٍ نازف قد يكون مؤلم..
لكنه يجعل المشاعر السلبية والسيئات تتساقط مِن جدرانِ القلوب لتتلاشى ونتطهر مِنها لنملأ فجواتها بالحسنات وجميل الذكريات!
يجرحنا ليداوينا, ويهمس لها بأننا أقوى, وأكثر إستحقاقًا للعيش في دُنيًا تتطلب الكثير مِن الصبر!
بعدها يعاود إغلاق الجرحِ بخيوطِ الإلتجاء للربّ مِنه..
تخيلوا عيشًا بدونِ حُزن؟
تخيلوا أن نعيش بسعادةٍ طيلة العمر, فتترف أرواحنا بها وتصيبنا بنقمةِ الانشغال عن العبادةِ واللهو عن االإفتقار للجبّار الكريم سبحانه؟
لكم أن تتخيلوا مدى حنان ذاك الحزن...
فـلا تغلقوا أبواب محيطكم عندما يصيبكم, فقط هوَ داهيةٌ يتطلب الكثير من خبرة التعامل معه لكسبه..
كما أن للحزن شقيقة تدعى الضغائن, والضغائن تقتاتُ من القلب..
تجعله يتآكل.. خليةً خلية, وريدًا وريد!
تعيشُ على وفائه, وتشرب من إخائه!
بإمكانها أن تسد مجرى دماء الراحة لصماماته, وتقدِر على تلطيخهِ بأشد الألوان قتامةً وثبات!
تلتف حوله كحبلٍ يمسّ رقبة مسكينة لا تقوى على الحراك!
لا شيءَ كمثلها يُفسده; ففسادُ القلب يكمن بالحسدِ و الغلّ و الكراهية و الحقد و الغيرة المُقيتة وتراكم الأحزان !
و أن يفسِد قلب المرء فهذا يعني أنه يقِف في قوارع طُرق الحياة وجنباتها..
يطرقُ بابها راجيًا أن يدلفه فلا يُفتح له ..
الحياة يا أعزائي أكبر من أن نغمس قلوبنا بسواد تلك الضغائن والأحزان..
فهي تُريد من المرء أن يكونَ نقيّ القلب سالم الصدر..
وفساد تلك المضغة.. كالمسافر الذي يلُوكها في فيه و يبصقها على رصيفٍ مهجور ..
ثم يمضي; غير آبه لها لا هوَ ولا العابرين من ذلك الرصيف!
جدّدوا قلوبكم, عالجوها بالقرآن, علّقوها بالربّ, و خلّصوها من الضغائن ضغينة تلو ضغينة , طهروها من الأحزان حزنًا بعد حُزن, رتّبوا ركامها كُل ليلةٍ قبل أن تناموا ..
تُفتح لكم أبواب الحياة مُشرعة!
مارسوا ما تحبون ممارسته من هواياتٍ باعدت بينكم وبينها الأيام, فكثيرا ما نحتاج إلى ممارسةِ ما كُنا نبعد عنه سابقًا,
شئٍ مِن عُزلةٍ طويلةٍ لنا مع الربّ, صحبٍ يتجددون, روتينٍ يختلف, صحوٍةٍ صباحيّة مبكّرة, رئةٍ ثالثةٍ تنفث علينا رائحة من طِيب, قوةٍ تنبعثُ مِن أعماقنا لتقاوم الإندثار, قلمٍ يخطّ الضاد وصفاً لشعورنا بإتقان..
نحتاج أن نمسِك بضمادٍ أبيض معنويْ شفيف , نمرّرهُ على كُل ما تراكم على قلوبنا من حزنٍ فيُزيحه , علّها تعاوِد النبض بخفةٍ دونَ ماضٍ يثقلها بلا نفع .
نحنُ قومٌ خُــلِقنا لنحيا حياةً أخرى ليست بحياةِ بقيّة البشر, قومٌ تباهى بهمُ العظيمُ سبحانه, لنا لغةٌ ثمينة منزّلة بقرآنٍ مِن الله فازدادتْ ثمنًا, و في ديجورِ الليالِ تضمحلّ همومنا حينما نلصقُ جباهنا تذللًا لله تعالى .



نحنُ لا نموت !
فقط نخمِد بموتةٍ صُغرى برزخية تحت الثرى, تفصِل ما بين الدُنيا وآخرتنا المُنتظرَة التي سنعيشها بكل جمالٍ وسعادةٍ ونعيمٍ كما وعدنا الله سبحانه.
أبداً لا نخشى الموت , فلنعِش بعُمقٍ أو لانعِش أصلًا !


- شمس الجطيلي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق