أتعلمُ يا صديقي ؟
أنا لا أخشى الكتابة .. فهيَ ألتصقت فيني مُنذ أعوامٍ طويلة لامجال فيها للتراجع وهجرة الحرف !
أنا أخشى توابعها .. أخشى حرفِي .. أسراري .. ملامح وجهي المقروءة ومشاعري .. بل حتى نوعيّة قراءتي للكتب كي لا تتأثر بها ريشتي الهشّة ..
أخشى أن يكون هناك علاقة طردية مابين سنيني و سطوري .. علاقة يستعصي فيها خلعُ الحرف من تفاصيل ذاكرتي المهترءة بصخب الأيام .
أخشى تعلّقي بها للحد الذي يتراءى لي فيه النصّ مكتوبًا بالفراغِ أمام عيني دونما ورق !
و أخشى ... ألّا أستحقها !
الخشية موحشة يا صديق .. تجعلُ منّي خيطًا دقيقًا يندسّ في كومةٍ من الأشواك .. تُصيّرني قطعة فستقٍ في أقصى فمِ رضيع .
أن يكون هنالك حرفٌ يُكتب لي من بناتِ أفكاري التي أقدّمها على طبقٍ من إحساس لتنبسط أمام أعيُن البشر .. أمرٌ مخيف .
الكتابة تجعلُ من الكُتّاب لوحةٌ غامضة بشفافيتها المُفرطة !
و الشفافيةُ خطِرة !
تهدّد بطردِ خصوصياتنا منّا لتُفشيها على الملأ !
أن تكون كاتبًا فهذا يعني أن الدين والمجتمع والأرواح يتطلّبون منك أكثرُ مما ينبغي أن تفعل كشخصٍ عاديّ ..
يتطلبونَ منك تعاونًا , توسيعًا للمدارك , وتعايشًا لهمومهم , ومُشاركة لإحساسهم .. بل الأمر أكبر من ذلك لو تعلم .
أسمعت مسبقًا بكتابٍ اعتزلَ الحرف ياصديقي ؟ لا أظنُ ذلك .
فالكتابة عميقة جدًا .. كبئرٍ عتيقٍ في صحراء قاحلة ..
كلما كتبنا سطرًا زاد تعلّقنا بها و اعتمادنا عليها بتمثيلِ عواطفنا وإطلاق رسائلنا المحبوسة بقوارير قلوبنا .
أو أخبرك سرًا من روحٍ التحمَ فيها الحرفُ منذ طفولتها ؟
لاتكتب مادُمت غير واثقٍ بما تفعل !
فبمجرد أن تسمح لفكرِك بالانسكابِ حبرًا فهذا يعني أنك حمّلت أكتافك مسؤولية عُظمى تجاه الربّ قد تكون غير جديرٍ بها مالم تسخرّها لدينهِ !
كم من كاتبٍ تمادى فدعت عليه حروفهُ بالتركِ مُكرهة !
وكم من كاتبٍ انتقلت روحهُ لمكانٍ آخر وحروفه باقية تحكيه بعيون من يقرأها .. إن خيرًا فخير و إن شرًا فشر !
حاوِل فقط أن تفهَم الكتابة مسبقًا قبل أن تمارسها .. فهي لن تدعك وشأنك إلا وقد علّقتك بها !
* شمس الجطيلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق